كتبت/ يسرا عرفه
مراسلة الجريدة بالمملكة الأردنية
أعتَرِفُ أنَّ الحديث عن الدين مسألة شائِكة جِدّاً، نِقاش صَعب الإفلات مِن مصائده، و لكن لصلتّهِ الوطيدة مع الهوية الإنسانية.. النقاش بالدين ضرورة لا يُمكِننا التغاضي عنها، أو تحاشيها.. كما يجبُّ علينا الخوض فيها بخطوات ثابتة.. بعَقل فطِن و صدر واسِع. الإسلام دين متشعّب بكافة شؤون الحياة، مُتغلغل بالطينة البشرية و حوائِجِها. نظّم الزواج.. حدد وسائِل الحرب، بل و شخّص هُوية المُحارب، دين أَدخَلَ الناس الجنّة بِهرّة.. و كلب.. يحمِلُ بطياتِهِ العَجَب العُجاب، لهُ لكلِّ أمرٍّ مكاييل، و لكلِّ قضيّةٍ قاضي. و لكن و بدونِّ التعمُّقِ بالإِسلامِ و طوائِفِهِ و صِفاتِه.. فالإسلام دين، مِثلُهُ مِثلُ أي دين آخر أي أَنَّ لهُ قواعد يحتَكِمُ بِها، و لَهُ ضوابِط تُنَظِّمُ سيّره، لَهُ مِثل غيره مُحرمات و مُباحات، لَهُ مِثل غيره أماكنٍ خاصة بالعِبادة، و بالأَخَص لَهُ مِثل غيره أزياء خاصّة بِه أو أَثواب ذات طابِع ديني يرتديها مُعتَنِق هذا الدين من باب إِقبالِهِ على دينه. ففي قضية الحِجاب مثلاً، يُستَهجَنُّ الإِسلام لكونِهِ يأمُرُّ بالحِجاب، مع أَنَّ الإسلام أَخَذَّ الحِجاب عمّا سَلَف من الديانات السماويّة قبله: المسيحية و اليهوديّة. و مع أَنَّ بينَّ الإسلام و اليهوديّة أوشاج قويّة و لَكِن هذا لا يعني أَنَّهُ يختَلِف عَنْ المسيحية بالكثير أيضاً مِن الناحيّة العملية، فكلاهُما يأَمُرُ بالعبادة، كلاهُما يمتاز بِطُرُقهِ المُعتمدّة للتعبّد، و أما بالنسبة للحِجاب، فالسيدة مريم العذراء بِكُل تصويراتِها ، كان بالصور أو بالتماثيل، ترتدي حِجاباً.. و لكن الإِسلامُ لا يهاجم عالميّا لشخصِه، و لكن لشخوصِنا، لممتلكاتنا، و لنفطِنا، فكما قال نِزار القباتي بالقوّة و الثقافة: هناك ثقافة واحدة هي ثقافة القوة. حين أكون قوياً، يحترم الناس ثقافتي. وحين أكون ضعيفاً، أسقط أنا، وتسقط ثقافتي معي. عندما كانت روما قوية عسكرياً، كانت اللغة اللاتينية سيدة اللغات.. وعندما سقطت الإمبراطورية الرومانية، صارت اللغة اللاتينية طبق سباغتي." و لذلك و برغم كل التشابه بين الدين المسيحي الأكثر إنتشاراً بالغرب و بين الإسلام الشرق أوسطي، سيرسم للإسلام مخالِب و أنياب، فهذا ما يخدِم المصلحة العامة، و الأمر المضحك هُنا هوَّ أن الإشكالية ليست دينيّة أبداً.. و لا تمت بِصلّة لأي دين.. بدأ الأمر بخطاب الكراهية المتفشّي كالسرطان، على وسائل التواصل الإجتماعي، بكافّة الصور؛ حيث عمّدت أُم و طفلها للتهجّم على مسجد و مدرسة إسلامية بأمريكيا و تصوير ما فعلاهُ كامِلاً.. فيديو كامِل من الشتم و التحقير، فيديو مئة بالمئة إرهابي، أخافني.. أنا البعيدة ملايين الكيلومترات شعرتُ بأفعى تُباغِتُ غفلتي.. فكيف من هُم هُناك يتنعمونَّ بالديموقراطيّة.. كيف سيشعر هولاء؟ و لم يتوقف الأمر على حالات فرديّة بل تطوّر الأمر حديثاً لتحديد يوم لمعاقبة المسلمين،و قد سمّي حرفيّا بذلك.. (يوم مُعاقبة المسلمين) و موافقاً للثالث من مارس. و كان لهذا الحدث العظيم منشور يخبر الناس بكم " جرحناهم.. بكم آذينا أحبائهم" حتّى أَنني أودُّ الإعتذار حقّا بالنيابة عن كلّ العراقيين تحتَّ التُراب، و عم كل الأفغانستانيين، على بجاحتهم و وقاحتهم بالعيش! و لكن على العموم.. هل تعرفون أن هذا اليوم بلغ حجماً من التنظيم حيث أن لكل إساءة لمسلم درجة معينة؟ نعم.. فلو أسأت لمسلم كلامياً تربح ١٠ نِقاط، و لو خلعت عن إمرأة محجبة حجابها تربح ٢٥ نقطة، و أما الـ٢٥٠ نقطة تربحها لو عذّبت مُسلما كهربائيّا.. كهربائياً! وَ أما مريم مصطفى، الطالبة المصرية بإنجلترا و التي لاقت حتفها بأواخر فبراير الماضي على يد مجموعة من الفتيات، فهيَّ حالة أُخرى من حالات التعصّب الديني، جريمة أُخرى من جرائِم الكراهيّة، فلم يعد هذا الذئبُ مُنفرِدَّاً.. هذا قطيع! و لكن أين النار لِكُلِّ هذا الدُخان.. أينَّ هو جناحُ الفراشة الذي خلق هذا الإِعصار و شيّده؟ سألت الباحثة الأردنيّة الأمريكيّة سمر دهمش جرّاح بكتابِها بين الشرق و الغرب سؤالاً وجيهاً: كيف يمكن لأمريكا التحكم بمقدرات الدول العربية، وطلابها الجامعيون لا يعرفون شيئاً عن العرب وتاريخهم وأديانهم ومعالمهم السياحية وعادتهم وتقاليدهم وقضاياهم وأنظمتهم؟ هذا السؤال بالحقيقة يُجيب على سؤال آخر و هوَّ: لماذا يكرهوننا بهذا الحجم و هُم لا يعرفوننا البتّة.. و تكلفة طائِرة من بلادنا لبلادهم أطول من أرقامِ هواتِفنا.. لماذا؟ لربما يعتقدون أنهم يعرفوننا؟ لربما ما جعل العالم قرية صغيرة لم يكلّف نفس بالتعريف عنا كما يجب، لكن التعريف عنا يبدو كأمرٍ نحن الأوجَبُ بالقيامِ به، أليس كذلك؟ مُعتَقَد الإنسان أمر خاص بالإِنسان، و الشعوب الأكثر تطوّراً لا تُقحِمُ نفسها بهذهِ الخصوصيات، جلَّ ما تفعلهُ هوَّ إقحامكم بِها، و استخِدامِها في تسخيركم لِخدمةِ مصلحتِها القومية، و لذلك لا تُشغلوا أنفسكم بالدِفاع المُرهَف عن الدين، بالحقيقة، ليس لديكم عيب مُشين للدافع عنه، كيف و دينّكم و دينهم أَقربُ للأُخوة؟ كيف و هذي هيَّ البلاد الديموقراطيّة التي يتم اللجوء لها لإعطاءِها حريّات دينيّة؟ لهذامارسوا حياتكم كما طابت لكم أنفسُكم، و مارسوا دينكم و شعائركم.. كونوا على طبيعتكم.. ليس لديكم الحاجة للتبرير، ليس لديكم وقت لإضاعته.. فكما روما اللاتينيّة صارت بعد مجدِها و عِزِّها طبق سباغيتي، أخاف عليكم من أن تصبحّوا صحن حُمّص لو استمرَّ الغرب بإقاعكم بهذهِ الدوّامة.. و كما قال العظمة غسان كنفاني: لكَ شيءٌ في هذا العالم.. فقُم!
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
منذ 23 عام .. الخريف الأصعب فى سموحة ( تعرف على كواليس الانتخابات )
كتب / اسلام الديب يبدو ان نادى سموحة سيشهد خريف متقلب مع موسم الانتخابات هذا العام و الذى بدأ مبكرا على جروبات موقع التواصل الاجتماعى في...
-
حاورتها الصحفية نورهان سعدوني مراسلة جريدة الراية الدولية /الجزائر فـي سلسلة حواراتي مع كاتبات جزائريات تطل علينا الكاتبة نسيمة تومي , نس...
-
حصري جريدة الراية الدولية/ مكتب الإسكندرية تقدم أسرة جريدة الراية الدولية مكتب الإسكندرية برئاسة أ. صابر العقاري والمحررة رشا البص التي ...
-
كتب : صابر العقاري / محمد محمود تصوير /يوسف صابر حققت مسرحية بحر الدم على خشبة مسرح عبد المنعم جابر بالإسكندرية لافتة كامل العدد واستقبل...

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق